!~ آخـر مواضيع المنتدى ~!
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   منتديات بنات فلسطين > ★☀二【« الاقـسـام الأدبــيــه »】二☀★ > حـانة الآدباء والفـلاسفة والمفكريـن

جون ميلتون جزء 4

الجزء الرابع الشاعر العجوز جون ميلتون في أواخر أيامه. وجد ملتون بعض السلوى والعزاء في العزف على الأرغن وفي الغناء، ويقول أوبري "كان صوته رخيماً رقيقاً" وفي

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 12-24-2014
سفير القلعة غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 793
 تاريخ التسجيل : Jan 2014
 فترة الأقامة : 4117 يوم
 أخر زيارة : 02-03-2015 (08:10 PM)
 المشاركات : 12,936 [ + ]
 التقييم : 1003
 معدل التقييم : سفير القلعة has much to be proud ofسفير القلعة has much to be proud ofسفير القلعة has much to be proud ofسفير القلعة has much to be proud ofسفير القلعة has much to be proud ofسفير القلعة has much to be proud ofسفير القلعة has much to be proud ofسفير القلعة has much to be proud of
بيانات اضافيه [ + ]
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 0
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 0
افتراضي جون ميلتون جزء 4




الجزء الرابع

الشاعر العجوز


جون ميلتون في أواخر أيامه.
وجد ملتون بعض السلوى والعزاء في العزف على الأرغن وفي الغناء، ويقول أوبري "كان صوته رخيماً رقيقاً" وفي 1661 انتقل إلى دار أخرى، وفي 1664 استقربه المقام نهائياً في بيت في Artillery Wolk، فيه حديقة صغيرة استطاع أن يتمشى فيها دون أن يقوده أحد سوى يديه وقدميه. وكثيراً ما أقدم إليه أبناء أخته لزيارته ومعاونته، وقد نسوا ما كال لهم من ضرب في سابق الأيام، كما جاء إليه الأصدقاء ليقرئوا له، أو يكتبوا ما يمليه عليهم. وتولى بناته الثلاث خدمته بصبر نافد وجهد جهيد. وكانت كبراهن-آن-عرجاء شوهاء لكناء. وكانت ديبورا تتولى له الكتابة، وتعلمت هي وأختها ماري قراءة اللاتينية واليونانية والعبرية والفرنسية والإيطالية والأسبانية، ولو أنهما لم تكونا تفهمان ما تقرآن. والحق أن أياً منهما لم تذهب قط إلى مدرسة، ولكنهن تلقين بعض الدروس الخاصة. ولكن لم يحظين من التعاليم إلا بأقل نصيب، على أحسن الفروض وباع ملتون معظم مكتبته قبل وفاته، لأن بناته لم تعنين بالكتب إلا قليلاً. وشكا من أنهن بعين الكتب خفية، وأنهن أهملن شأنه في وقت الحاجة والشدة، وأنهن تأمرن مع الخدم على مغالطته وسلبه عند شراء حاجيات المنزل، ولم تشعر البنات بالسعادة في هذا البيت الكئيب، مع والد قاسٍ كثير المطالب سريع الغضب. ولما سمعت ابنته ماري بأنه يرتب لزواج جديد قالت: "ليس ثمة أنباء تستحق أن تسمع عن زفافه، ولكن النبأ الجدير بالاستماع هو نبأ وفاته"(. واتخذ ملتون في 1663، وهو آنذاك في الخامسة والخمسين، زوجة ثالثة، هي اليزابث منشول، وكانت في الرابعة والعشرين من العمر. وتولت خدمته بإخلاص وأمانة حتى آخر أيام حياته. وبعد سبع سنوات مع زوجة الأب التي وصفها أوبري بأنها "وديعة مسالمة مرحة مقبولة" هجر البنات الثلاث منزل والدهن، ليتعلمن، على نفقة ملتون بعض الحرف.

الفردوس المفقود

المقالة الرئيسية: الفردوس المفقود


ملتون يملي الفردوس المفقود على بناته الثلاث، ح. 1826. بريشة اوجين دلاكروا


قصيدة الفردوس المفقود مترجمة للعربية. لقراءة القصيدة، اضغط على الصورة.
وكانت عودة الملك قد كلفته كثيراً، وكادت أن تكلفه حياته، ولكنها مهدت الطريق لنظم "الفردوس المفقود". فلولاها ربما أفنى ملتون نفسه في التراشق بالنشر في المعركة، لأن "المقاتل" كان في مثل قوة "الشاعر" في شخصه. وبرغم هذا كله، لم يودع ملتون قط الأمل في أن يكتب لإنجلترا شيئاً تتغنى به لقرون قادمة. وفي 1640 أعد بياناً بموضوعات يمكن أن تكون ملحمة أو دراما، كان من بينها موضوع خطيئة آدم (خروجه من الجنة)، وأساطير الملك آرثر (ملك بريطانيا الذي يفترض أنه عاش في القرن السادس ق.م.، وبطل المائدة المستديرة) وتأرجح بين اللاتينية والإنجليزية، بأيتهما يكتب، وحتى حين قر قراره على "الفردوس المفقود"، موضوعاً له، فكر في أن يكتبه على شكل مأساة إغريقية، أو رواية دينية، على غرار روايات العصور الوسطى، وفي أوقات مختلفة نظم بعض أبيات أو مقطوعات أدخلت فيما بعد في القصيدة. ولم يتسن له إلا بعد وفاة كرومول، أن يجد فسحة من الوقت يومياً، ليكتب الملحمة، وفي 1658 فقد بصره تماماً.

في الأيام السود، وألسن السوء، ولو أنها ولت، فقد لفنا الظلام واكتنفتنا الأخطار من كل جانب.

وتواردت على ذهنه الأبيات، حين كان يرقد عاجزاً أرقاً، ويكاد ينفجر بها. فينادي على من يكتب له قائلاً: "إنه يحتاج إلى من يحلبه". وكانت تنتابه حمى الشعر، فيملي أربعين بيتاً "في نفس واحد"، ثم يجد في تصحيحها عندما تعاد تلاوتها عليه. ويحتمل ألا تكون ثمة قصيدة نظمت بمثل هذا الجد والكد والشجاعة والجراءة. وداخل ملتون شعور قوي بأنه يمثل لإنجلترا هوميروس واشعيا معاً، حيث اعتقد بأن الشاعر صوت الله، وأنه نبي أوحي إليه أن يعلم الناس.

وفي 1665، حين انتشر الطاعون بلندن، اتخذ التدابير صديق سجين من الكويكرز، هو توماس الوود، لنقل ملتون ليقيم في "كوخه المكون من عشة حجرات في "كالفونت سانت شيل في بنكجهام مشير". وهناك في هذه "المقصورة الجميلة" أكمل الشاعر "الفردوس المفقود" ولكن من ذا الذي يقدم على نشرها؟ لقد كانت لندن في اضطراب بالغ في 1665-1666 بسبب الحريق الذي جاء في أعقاب الطاعون، وإذا كان ثمة شيء من الفرح والمرح باق، فهو عودة الملكية في صخبها وعربدتها. وفي حالة نفسية ليس معها مجال لملحمة من 10558 بيتاً الخطيئة الأولى. لقد حصل ملتون من قبل على ألف من الجنيهات عن رسالته "دفاع الشعب الإنجليزي" أما الآن، في 27 إبريل 1667، فقد باع كل حقوقه في "الفردوس المفقود" إلى الناشر صمويل سيمونز لقاء خمسة جنيهات نقداً، مع الاتفاق على دفعات أخرى قيمة كل منها خمسة جنيهات، يتوقف تسديدها على ما يباع من الكتاب، فكان كل ما حصل عليه هو 18 جنيهاً. ونشرت القصيدة في أغسطس 1667. وبيع منها العامين الأولين 1300 نسخة، وفي الأحد عشر عاماً الأولى بيع 3000 نسخة. وربما لا يقبل على القراءة القصيدة بأكملها مثل هذا العدد من القراء في أية سنة من أيامنا هذه، فليس لدينا فراغ كبير، حتى لقد اخترعنا كثيراً من الأدوات التي توفر الجهد.وتشترك "الفردوس المفقود" مع "انياذة فرجيل"، فيما أصاب كلتيهما من نكسة وتعويق، لظهورهما بعد الياذة هوميروس، فإن مشاهد المعركة والمحاربين الخارقين للطبيعة يفقدون قوتهم وسحرهم، ولكنهم تقليداً ومحاكاة. ولا ريب في أن هوميروس قلد نماذج قديمة، ولكنا نسيناها ولم نعد نذكرها، وذهب جونسون إلى أن "الفردوس المفقود"، بطبيعة موضوعها، تمتاز على ما عداها، بأنها ممتعة مشوقة للجميع دائماً "ولكنه

اعترف بأن" أحد لم تساوره الرغبة في أن تكون أطل مما هي. أن موضوع "الخطيئة الأولى للإنسان. وثمار الشجرة المحرمة التي جلب مذاقها القاتل الموت والفناء على العالم، وجلب علينا كل الكروب والويلات"، كان موضوعاً مناسباً إلى حد كبير، لأيام شباب ملتون، حين كان يتلقى سفر التكوين على أنه تاريخ، وحين كانت الجنة والنار، والملائكة والشياطين، هي نسيج التفكير اليومي. أما اليوم فإن موضوع القصيدة أكبر عائق في سبيلها، إنها قصة خرافية تروي للشبان في أحد عشر قسماً، وأن الاستمرار في مشاهدة مثل هذا العرض الطويل اللاهوت من البداية حتى النهاية جاف قاس عتيق، ليتطلب اليوم جهداً شاقاً متصلاً. وما كان الهراء ليسي عليه يوماً مثل السمو والرفعة قط. إن عظمة المشهد وجلاله، ومعانقة الجنة والنار والأرض، والانسياب الفخم المهيب للشعر المرسل، ومعالجة الموضوع المعقد ببراعة فائقة، والوصف الرقيق الجديد للطبيعة، والمحاولة الموفقة لإسباغ الواقعية والشخصية على آدم وحواء، وكثرة القطع الشعرية البالغة الروعة والقوة، كل أولئك بعض الأسباب التي جعلت من "الفردوس المفقود" أعظم قصيدة في اللغة الإنجليزية.

وتبدأ القصة في جهنم حيث الشيطان على هيئة طائر "ضخم الجسم"، ذي جناحين مبسوطين، ينصح ملائكته الهابطين بألا ييأسوا:

لم يضع كل شيء، فإن الإرادة التي لا تقهر، وتدبر للأخذ بالثأر والكراهية التي لا يخبوا أوارها أبداً، والشجاعة التي لا تخضع ولا تستسلم، أما أن تنثني متوسلة للرحمة، على ركبتين ضارعتين، وتعظم من سلطانه...فهذا أمر دنئ حقاً هذا خزي وعار أنكى من هذا السقوط ويبقى العقل والروح ولا سبيل إلى قهرهما.

وكأني بهذه الأبيات تردد صدى كرومول وهو يتحدى شارل الأول، وصدى ملتون وهو يتحدى شارل الثاني؛ وثمة عدة قطع في وصف الشيطان تذكرنا بملتون:

عقل لا يغير منه زمان أو مكان، فالعقل راسخ في مكانه، يستطيع في نفسه أن يجعل من الجنة جحيماً، ومن الجحيم جنة.

وفي الأجزاء القديمة من القصيدة نجد أن فصاحة ملتون أغرته بأن يرسم لإبليس صورة تكاد تتسم بالود والعطف، وكأنه زعيم ثورة ضد السلطة الرسمية الاستبدادية. وتخلص الشاعر من أن يجعل الشيطان بطل الملحمة بتصويره، فيما بعد، بأنه "أبو الأكاذيب" الذي "يجثم مثل ضفدع الطين" أو كالأفعى التي تنزلق ملتوية فوق الوحل. ولكن في هذا القسم من الملحمة نفسه ينهض الشيطان مدافعاً عن المعرفة: المعرفة محرمة محظورة؟ لماذا ينفس عليهما ربهما ذلك؟ هل تكون المعرفة إثماً؟ أو تكون فناء؟ هل يعيشان (آدم وحواء) على الجهل وحده؟ أو أن حالتهما السعيدة هي دليل طاعتهما وإيمانهما؟ سأثير في عقليهما مزيداً من الرغبة في المعرفة.

ومن ثم يحاور حواء وكأنه كنيسة عقلانية تحمل على كنيسة جامدة تعيش في ظلام الجهل، تقف عقبه كأداة في طريق انتشار المعرفة:

لماذا إذن كان هذا التحريم؟. لماذا كان، إلا ليرهب عباده ويبقيهم على حالة من الانحطاط والجهل، إنه يعلم أنه في اليوم الذي تأكلان من تلكما الشجرة، فإن أعينكما التي تبدو الآن صافية ولكنها كليلة، سوف تنفتح وتصفو تمام الانفتاح والصفاء، ومن ثم تكونان مثل الآلهة.

ويأمر روفائيل، وهو أحد الملائكة، آدم، بأن يكبت من حبه لاستطاع الكون، فليس من الحكمة أن يتطلع الإنسان إلى معرفة ما وراء نطاقه الفاني(115) فالإيمان أعقل من المعرفة.

وكان لنا أن نتوقع ألا يفسر ملتون "الخطيئة الأولى" بأنها رغبة في المعرفة، بل أنها علاقة جنسية. أنه على النقيض من ذلك، ينشد تسبيحة غير بيوريتانية إطلاقاً، من أجل مشروعية اللذة الجنسية، في حدود الزواج، ويصور آدم وحواء منغمسين في مثل هذه القيم المادية، مع بقائهما على "حالة البراءة"، ولكن بعد "الخطيئة" أي أكل الفاكهة المحرمة من شجرة المعرفة-بدأ يستشعران الخزي والعار في الاتصال الجنسي. وهنا ينظر آدم إلى حواء على أنها مصدر كل الشر، "ضلع أعوج بالطبيعة" ويرثي لأن الله خلق المرأة:

لماذا خلق الله في النهاية هذه البدعة على الأرض، هذه العلة الجميلة في الطبيعة، ولم يملأ العالم على الفور، برجال مثل الملائكة، دون أثاث، أو يجد طريقة أخرى لتوالد بني البشر؟

ومن ثم فإن الإنسان الأول، في تاريخ الزواج في الكتاب المقدس، سرعان ما اصطنع ذريعة ليطلق الرجل زوجته في سهولة ويسر، وهنا نجد ملتون ينسي آدم، ويكرر شعراً ما سبق أن ذكره نثراً، عن خضوع المرأة خضوعاً حقيقياً تاماً للرجل. وسيعود إلى هذه اللازمة في قصيدة "Samson Agoniates". فهي حلمه الأثير الحبيب إلى نفسه. وفي رسالته السرية "العقيدة المسيحية" دافع عن إعادة "تعدد الزوجات"، ألم يجره العهد القديم. ألم يترك العهد الجديد هذا القانون الحكيم الشجاع دون إلغاء أو تعطيل؟.

ومهما فسرت "مخالفة الإنسان الأول لأمر ربه" (الخطيئة الأولى)، فقد ثبت أنها موضوع أصغر من أن يملأ اثني عشر قسماً، لأن الملحمة تتطلب سلسلة من الأحداث والأعمال، ولكن حيث أن ثورة الملائكة انتهت حين بدأت القصة. فإن المسرحية لا تدخل إلى القصيدة إلا عن طريق الذكريات أو العودة إلى الماضي، وهو صدى آخذ في الذبول والزوال. ومشاهد المعركة موصوفة وصفاً جيداً، بما في ذلك التصارع المناسب بالسلاح، وشج الرؤوس وتقطيع الأوصال، ولكن من العسير أن تشعر بالألم أو بنشوة الابتهاج لهذه الضربات الخيالية. وعلى غرار الكتاب المسرحيين الفرنسيين يطلق ملتون لنفسه العنان للخطابة، فالجميع ابتداء من "الله" إلى حواء يخطبون، ولم يجد الشيطان في سعير جهنم ما يحول بينه وبين البلاغة وأنه لمن المزعج حقاً أن نعلم أنه حتى في الجحيم سنكون مضطرين إلى الاستماع إلى محاضرات".

"والرب" في هذه القصيدة ليس هو التألق الذي يجل عن الوصف الذي تحس به في "جنة دانتي" فهو في القصيدة فيلسوف سكولاس (فيلسوف نصراني من العصور الوسطى)، يدلي بأسباب مطولة غير مقنعة، لأنه وهو القادر على كل شيء، يجيز للشيطان أن يوجد، وإن يغوي الإنسان، متنبئاً، طوال الوقت، بأن هذا الإنسان سيبذل ويخضع، ويجلب على البشرية يأسرها قروناً من الخطيئة والشقاء والتعاسة. ويحاج بأنه بدون الإثم لا تكون الفضيلة، وبدون التجربة لا توجد الحكمة والتعقل، ويرى أنه من الأفضل أن يواجه الإنسان الإغراء ويقاومه، من عدم التعرض للإغراء إطلاقاً، دون أن يتوقع أبداً أن الصلوات سوف تتوسل إلى الله ألا يقود الإنسان إلى الغواية والإغراء. ومن ذا الذي يطبق التعاطف مع تمرد الشيطان على هذا السادي الذي لا يصدق؟ (السادية: الابتهاج بالقسوة المفرطة).

وهل كان ملتون يؤمن حقاً بهذا الهول الجبري المقدر؟. من الواضح أنه كان كذلك، لأنه بسط الكلام فيه، لا في "الفردوس المفقود" فحسب، بل في رسالته السرية "العقيدة المسيحية" كذلك. أي أن الله، قبل خلق الإنسان بزمن طويل، قدر أي الأرواح يكتب لها الخلاص، وأيها قدر عليها العذاب المقيم. وانطوت هذه الرسالة، على أية حال، على شيء من الهرطقة. ولم ينشرها ملتون قط، ولم يكشف أمرها إلا في 1823، ولم تصل إلى المطبعة إلا في 1825.

إن هذه الرسالة وثيقة جديرة بالذكر، فهي تبدأ في إطار من التقوى، ودون جدل أو لجاجة، بافتراض أن كل كلمة في الكتاب المقدس هي وحي من عند الله. وسلم ملتون بأن نصوص الكتاب المقدس قد طرأ عليها "التزييف والتشويه والتبديل" ولكنها حتى في صيغتها الراهنة، من صنع الله. وهو لايجيز غير التفسير الحرفي الأمين. فإذا جاءت الأسفار بأن "الرب"، استراح، أو خاف، أو خاف، أو ندم، أو كان غاضباً، أو حزينا، فإنه ينبغي أن تؤخذ هذه الألفاظ بمعناها الظاهري، ألا تخفف على أنها مجازات، بل كذلك أجزاء الجسم والصفات الجسدية التي تنسب إلى "الله" يجب قبولها على أنها حقيقية من الوجهة المادية. ولكن "الله" بالإضافة إلى هذا الكشف الظاهري الذي جاءت به الأسفار المقدسة والذي يكشف به عن كنهه فإنه، زودنا بوحي داخلي، هو الروح القدس الذي يتحدث في داخل قلوبنا. وهذا الوحي الداخلي "الملك الخاص لكل مؤمن، أسمى بكثير...ومرشد أصدق، من الأسفار المقدسة(124). ومهما يكن من أمر، فإن ملتون يقتبس من الكتاب المقدس، ما يؤيد ما يسوق من حجج، على أنه البرهان الحاسم الدامغ.

وعلى أساس من الأسفار المقدسة، ينبذ ملتون نظرية الثالوث الأقدس التقليدية، ويؤثر عليها هرطقة آريوس (الذي بقول بأن المسيح ليس من مادة الله، بل هو خير خليقة فقط)، فالمسيح بكل معنى الكلمة، أبن الله، ولكن الأب ولده في زمن ما، ومن ثم فهو غير معاصر للأب وليس متساويا معه أبداً. فالمسيح هو الوسيط الذي خلقه الله على أنه "اللوجوس أي الكلمة" الذي سيخلق منها كل من عداه. ولا يسلم ملتون "بالخلق من العدم"، فعالم المادة، مثل عالم الروح؛ انبثاق أو فيض سرمدي من المادة الإلهية. وحتى الروح نفسها، فهي مادة رقيقة جداً أثيرية، ولا يجوز تمييزها تمييزاً حاداً عن المادة. وفي النهاية، المادة والروح، والجسم والنفس في الإنسان، شيء واحد. وثمة شبه كبير يستحق الملاحظة بين هذه الآراء، وآراء هوبز (1588-1689) وسبينوزا (1632-1677)، وقد نرى أنهما فارقا الحياة في نفس العقد من السنين الذي مات فيه ملتون (1608-1674). وربما أطلع ملتون على مؤلفات هوبز التي لها دوي ملحوظ في بلاط شارل الثاني.

وظلت عقيدة ملتون خليطاً غريباً من التوحيد والمادية، ومن مذهب حرية الإرادة عند جاكوب أرمينيوس (لاهوتي بروتستانتي هولندي 1506-1609)، ومن مذهب الجبرية أو القضاء والقدر عند كلفن. ويبدو في كتاباته أنه كان رجلاً متعمقاً في أمور الدين. ومع ذلك لم يذهب قط إلى الكنيسة حتى قبل فقد بصره، ولم يقم الشعائر الدينية في بيته. وكتب دكتور جونسون:"في توزيع ساعاته لم يخصص وقتاً للصلاة، وحده، أو مع أهل بيته. وحذف الصلوات العامة، لقد حذف الصلوات جميعاً". وازدرى رجال الدين، ونعني على كرومول احتفاظه بعدد من رجال الدين تدفع الدولة رواتبهم، على أنه لون من "عبادة الأوثان"، يؤذي الدولة والكنيسة معاً. وفي أحد بياناته الأخيرة "بحث في العقيدة الحقة، والهرطقة والانشقاق عن الكنيسة والتسامح، وأمثل الطرق للحيلولة دون نمو البابوية" (1633) عارض بطريق مباشر الإعلان الثاني الذي أصدره شارل الثاني عن التسامح (1672)، محذرا إنجلترا من التسامح مع الكاثوليك وأنصار التوحيد، أو أية شيعة أخرى لا تعترف بالكتاب لمقدس أساساً وحيداً لمذهبها.

أن هذا الرجل الذي تفوح منه رائحة الهرطقة، عرف عنه مقاومة رجال الدين وتدخلهم في الشؤون العامة والخروج على الكنيسة، هو نفس الرجل الذي أخرج للعقيدة المسيحية أكرم شرح حديث لها.

السنوات الأخيرة

احتفظ ملتون مع دخوله في العقد السابع من العمر، فيما خلا فقد البصر، بصحبة جسمه واعتداده بنفسه، وهما اللذان دعماه وسانداه في كل الصراعات الدينية والسياسية التي خاضها. ويصفه أوبري بأنه "نحيل...متوسط القامة"...فهو جسم جميل متناسب الأجزاء، وبشرته فوق المتوسطة...صحيح الجسم، لا يشكو علة، قلما يتناول الدواء، كل ما في الأمر أن النقرس انتابه في أخريات أيامه (129)". وكان شعره الذي فرقه في الوسط يتدلى على كتفيه في حليقات أو عقصات. ولم تنبئ عيناه عن فقد بصره. وظلت مشيته ثابتة منتصبة. وكان إذا غادر بيته بدا على زيه شدة الحساسية والكلف بملابسه، وتمنطق بسيف، لأنه كان فخوراً ببراعته في المبارزة واللعب بالسيف(130). وأضفت عليه الثقة الزائدة عن الحد وقاراً، وعزوفاً عن المرح. ولكنه كان مع ذلك حلو الحديث إلا إذا لقي معارضة. ولم يكن بيوريتانياً بكل معنى الكلمة: كان عنده شعور البيوريتانيين بالإثم، والجحيم والإصطفاء والأسفار المقدسة التي لا تخطئ، ولكنه استساغ الجمال واستمتع بالموسيقى، وألف رواية، واحتاج إلى عدة زوجات، وتخلفت أثاره من حيوية عصر اليزابث وسطر زانته الخالية من المرح. وكان أنانياً، أو أنه كشف عن أنانيته الطبيعية إلى حد الإفراط غير المألوف. إنه كما قال أنطوني رود: "لم يكن يجهل مواهبه(131)"، وكما قال جونسون: "قل من الرجال من كتب كثيراً وامتدح قليلاً من الناس، مثله"، وربما تطلبت العبقرية أنانية يدعمها اعتداد داخلي بالنفس، حتى تقف في ثبات في وجه الجمهور. إن أثقل ما يمكن قبوله في ملتون هو طاقة الكراهية والبغضاء عنده، وإساءته المفرطة لمن اختلفوا عنه وذهب إلى أنه ينبغي علينا أن نصلي من أجل أعدائنا، ولكن ينبغي أيضاً أن نستنزل اللعنات جهاراً على أعداء الله وأعداء الكنيسة، وكذلك على الأخوان المضللين الزائفين، أو من يقترفون الآثام الفظيعة ضد الله، أو حتى ضد أنفسهم". أما الوجه الآخر لهذه العاطفة المشبوبة، فهو شجاعة النبي في استنكار زمانه، فإنه بدلاً من أن يكمم فاه ما اقترن بعودة الملكية من شغف وصخب، هاجم في عنف، غراميات البلاط "في عهد تشارلز الثاني"، "والشهوات والاغتصاب" في القصور، و"البسمات المشتراة على شفاه بنات الهوى" و "المسرحيات الخليعة أو حفلات الرقص في منتصف الليل".

وكأنما كان ملتون يقذف بآخر سهم في جعبته تحدياً للعصر المظلم، حين نشر في يوم واحد (20 سبتمبر 1671) في غير ما شفقة ولا رحمة، اثنين من أعماله: "الفردوس المستعاد" و"شمشون المعذب". في 1665 بعد أن انتهى توماس إلوود من قراءة ملحمة ملتون الأولى تحداه قائلاً: "لقد تحدثت هنا كثيراً عن الفردوس المفقود، فماذا عساك تقول الآن عن الفردوس الذي وجد؟"، وطرقت الفكرة ذهنه بشدة، ولكنه تسائل: كيف يعرض استعادة الفردوس في أية مرحلة في التاريخ، فإن موت المسيح نفسه لم يطهر الإنسان من الجريمة والشهوة والحرب ولكنه فكر أنه رأى في مقاومة المسيح لإغراء الشيطان، وعداً بأن جانب الله في الإنسان لابد يوماً أن يقهر جانب الشيطان في الإنسان نفسه، ويهيئه للحياة تحت حكم المسيح والعدالة على الأرض.

ومن ثم فإن ملتون في الأقسام الأربعة من "الفردوس المسترد"، لم يركز في حياة المسيح على الصلب، بل على "تجربة الإغراء في البرية"، حيث يقدم الشيطان للمسيح "ولداناً...أجمل من سقاة الآلهة"، ثم "الحور والعذارى الفاتنات، وسيدات من حدائق التفاح الذهبي" ثم يعرض عليه المال والثراء-ولكن أولئك دون جدوى. ثم يريه الشيطان روما الإمبراطورية تحت حكم تيبريوس المنهوك المكروه الذي لم يعقب، فهلا يريد المسيح أن يقود ثورة بعون من الشيطان، وينصب نفسه إمبراطوراً على العالم؟ ولما لم يرق هذا في عيني يسوع ، ولم يستهو قلبه فإن الشيطان، أراه أثينا بلد أرسطو وأفلاطون، فهلا رغب في اللحاق بهما ليكون فيلسوفاً؟ ثم يدخل المسيح والشيطان في حوار غريب حول مزايا الأدب اليوناني والعبري. فينحاز المسيح إلى جانب أنبياء وشعراء بني إسرائيل على أنهم أسمى بكثير من اليونانيين:

أخذت اليونان عنا هذه الفنون، ولم تحسن تقليدها.

وبعد قسمين من الملحمة استغرقهما الحوار، أقر الشيطان بهزيمته، وبسط جناحيه وطار، على حين تتجمع فرقة من الملائكة حول المسيح المنتصر، وتنشد:

الآن انتقمت لآدم المغدور به، وبالتغلب على الإغراء استعدت الفردوس المفقود.
ولم يروِ ملتون لنا القصة بمثل الروعة الفياضة الرنانة التي تجلت في الملحمة الأولى الكبرى، ولكن بمثل براعته في الشعر، وميله إلى الحاجة، وهما أمران معهودان فيه، كما كشف في القصة حتى حادث صلب المسيح، وربما كان مرد ذلك إلى أنه لم يتفق مع القائلين بـأن موت المسيح هو الذي فتح أبواب الجنة من جديد. فالفضيلة وضبط النفس وحدهما اللذان يجلبان السعادة. ولم يدرك ملتون قط لما رفضت إنجلترا أن تأخذ بمأخذ الجد، إعادة كتابة الأناجيل على هذا الشكل المضحك، وذهب إلى القول بأن الملحمة الثانية ليست أقل من الملحمة الأولى، اللهم إلا من حيث مداها. وكان لا يطيق أن يسمع أن "الفردوس المفقود" تفضل "الفردوس المسترد".

وتألقت عبقرية ملتون لآخر مرة في "شمشون أجونست-الجبار". إنه بعد أن تحدى هوميروس و?رجيل ودانتي، بملحمته، نراه الآن يتحدى أخيللس وسوفوكليس برواية ارتضت كل القيود المأساة (التراجيديا) اليونانية. وهو في المقدمة يطلب إلى القارئ أن يلحظ أن المسرحية (الدراما) تخضع للوحدات التقليدية القديمة، وتتجنب "خطأ الشاعر في خلط المادة الهزلية (الكوميدية) بأحزان المأساة ووقارها ورهبتها، أو في إدخال شخوص تافهين مبتذلين. وهنا نجد ملتون يولي ظهره لعصر اليزابث، ويشق طريقه إلى اليونان ولا يبعد كثيراً عن النماذج اليونانية. إن شمشون الذي فارقته قوته بعد أن حلقت دليلة سبع خصلات من شعر رأسه، وقلع من أوثقوه من الفلسطينيين عينيه، نقول أن شمشون هذا لا يحكي فقط، أوديب المكفوف في كولونس، بل أنه يحكي ملتون نفسه يعيش في عالم بغيضاً يرى منه أثراً:

"ضريران أعداء، أواه هذا شيء أسوأ من الأغلال أو الزنزانة أو التسول، أو العجز بفعل الهرم، فالضياء، وهو فاتحة صنع الله، منطفئ أمامي، ولا أملك من مباهجه شيئاً. ربما كان يهدي من آلامي وأحزاني، آه، أنه الظلام والقتام والحكمة وسط وهج النور عند الظهيرة، ينشر كسوفاً كليلاً لا خلاص منه، دون أي أمل في بزوغ النهار".

والحق أن الرواية كلها يمكن تفسيرها بأنها قصة رمزية متناغمة متماسكة: فملتون هو شمشون يناضل ويتعذب في محنته، وبنو إسرائيل المقهورون هم البيوريتانيون، أي الشعب المختار حطمته عودة الملكية، والفلسطينيون هو الملكيون الوثنيون المنتصرون، وهدم هيكلهم يكاد يكون تنبؤاً "بالثورة الجليلة" التي أطاحت بآل ستيوارت "الوثنيين" في 1788. أما دليلة فهي المرأة الخائنة ماري پاول، Powell. وتكرر فرقة الموسيقى (الكورس) حجج ملتون وناقشاته من أجل الطلاق. ويكاد ملتون يكون قد تخلص من غضبه وحقده بترديد تلك الحجج والناقشات على لسان شمشون الذي يتقبل نهايته التي لابد آتية:

"سوف تمضي سلالة المجد، أما سلالة الخزي والعار التي ستبقى فسألحق بها وشيكاً."
وفي يوليه 1674 أحس ملتون بأنه يضعف وتنحط قواه، ولأسباب لا نعلمها أهمل تدوين وصيته. وبدلاً من ذلك وجه إلى أخيه كريستوفر وصية "شفوية" تكاد تكون غير مسطورة، نقلها كريستوفر على وجه الآتي:

"أخي، إني أترك نصيبي من تركة مستر پاول Powell والد زوجتي السابقة، لأولادي العاقين، ولكني لم أتسلم شيئاً منه ووصيتي ومقصودي ألا يستولوا على أي جزء آخر من ضيعتي أكثر من الجزء المذكور، ومما ضيعت من أجلهم، غيره، لأنهم قصروا أشد التقصير في القيام بواجباتهم نحوي، أما بقية ضيعتي فأني أضعها تحت تصرف زوجتي الحبيبة إليزابث."

وأعاد ملتون هذه الوصية الشفوية على أسماع زوجته وأناس غيرها في أوقات مختلفة.

وتشبث ملتون بالحياة في عزيمة قوية. ولكن آلام النقرس اشتدت عليه يوماً بعد يوم حتى شلت يداه وقدماه. وفي 8 نوفمبر 1674 وأنهكت الحمى قواه، وفارق الحياة في تلك الليلة. وعاش ملتون خمساً وستين سنة وسبعة أشهر. ودفن في مقبرة كنيسة الأبرشية، في سانت جيل كربلجيت، بجوار والده.

وكان القانون الإنجليزي يعترف بالوصايا الشفوية حتى 1677، ولكن المحاكم كانت تدقق قيها تدقيقاً شديداً. واعترض البنات على وصية أبيهم، ورفضها القاضي، وأعطى ثلثي المال للزوجة، والثلث الباقي، وقدره 300 جنيه للبنات. أما الحصة في أموال پاول فلم يدفع منها شيء قط.

وأنا لنعلم عن ملتون أكثر كثيراً مما نعلم عن شكسبير، ولا بد من تدوين الكثير عنه حتى نخرج له صورة حقيقية أو نصفه وصفاً كاملاً. ولكنا لا نزال نجهل ما يكفي للحكم عليه-إذا كان هذا ممكناً بالنسبة لأي رجل. فنحن لا نعلم، بشكل كاف، لماذا أثار بناته استياءه إلى هذا الحد، ولا كيف عاملن زوجته الثالثة التي واسته وأراحته في سني شيخوخته، ولكنا نستطيع فقط أن نبدي الأسف على أنه عجز عن كسب حبهم. ولسنا ندري بالتفصيل لماذا ارتضى أن يكون رقيباً على الصحافة أيام كرومول، بعد دفاعه المجيد عن "حرية المطبوعات". ويمكن أن نعزو كثيراً من تعسفه وبذاءته في الخصومة إلى أحول العصر ومعاييره. وقد نغتفر غروره وأنانيته باعتبارهما الركيزة التي تستند إليها العبقرية إذا لم تجد إلى القليل من ثناء الدنيا وإطرائها. ولسنا بحاجة إلى الاستماع به رجلاً. والإعجاب به شاعراً، وواحداً من أعظم الناشرين الإنجليز.

إن الذين يعتزمون قراءة الفردوس المفقود من البداية إلى النهاية، سيتولاهم الدهش إذ يجدون أنها غالباً ما تحلق في آفاق عالية من الخيال والبيان، حتى ليغتفرون إن عاجلاً أو آجلاً، الصفحات المملة المحشوة بالنقاش أو العلوم أو الجغرافيا، وكأنها بمثابة فترات لالتقاط الأنفاس من فرط الثأر والتحليق. وأنه لمن الحمق أن نتوقع أن تبقى هذه التحليقات المفرطة في التناغم والعاطفة بصفة مستمرة، فقد يكون هذا في القصائد القصيرة. وهناك في نثر ملتون وبخاصة في "الأريوباجيتيكا"، قطع، لا يسمو عليها، في قوتها وروعتها، وفكرها وموسيقاها، شيء من سلسلة الأدب الدنيوي في العالم.

وأضفى عليه معاصروه شهرة يشوبها الحسد والتذمر، وفي الفترة التي صعد فيها حزبه إلى منصة الحكم، كان مناضلاً ثائراً، ونسيت قصائده الغنائية الأولى. ونشر ملتون قصائده الكبرى في عهد عودة الملكية، ذلك العهد الذي احتقر شيعته، ورضي له البقاء على قيد الحياة، على كره منه. وعندما طلب لويس الرابع عشر من سفيره في لندن أن يعدد له أحسن الكتاب الإنجليز الأحياء، كان جواب السفير: لا يوجد منهم من يستحق الذكر إلا ملتون الذي دافع من قبل، من سوء الحظ، عن قتل الملوك الذين كانوا آنذاك يشنقون أحياء أو أمواتاً. وحتى في هذا العصر المستهتر المشاغب، على أية حال، نجد أن أشهر شعرائه، جون دريدن، الذي قال عنه ملتون من قبل أنه "ناظم قواف جيد، وليس بشاعر". نقول أن دريدن هذا، اعتبر "الفردوس المفقود" "من أعظم وأروع وأسمى ما أبدع هذا العصر وهذه الأمة من قصائد". وبعد أن دالت دولة أسرة ستيوارت عاد إلى ملتون مجده ومكانته الرفيعة. وأطنب أديسون في مداحه في مجلة "سبكتاتور". ومنذ ذلك الوقت ازدادت صورة ملتون رفعة وقداسة في ضمير بريطانيا حتى ناجاه وردزوث في 1802:

"أي ملتون، ما كنا أجدرك أن تكون حياً بيننا في هذه الساعة..، أن روحك مثل نجم رحل عنا بعيداً، لقد كان لك صوت يهدر كالبحر، صاف مثل السموات المكشوفة، صوت كريم حر".

أن نفسه كانت مثل أثر باق، قام بعيداً عن أقرب الناس إليه، ولكن عقله حلق مثل السموات العلى، فوق كل هموم البشر، وصوته يدوي في الاستماع مثل "البحر المتلاطم الأمواج" عند هوميروس.

ميلتون والاستعادة

ويمكن ان نضيف الى ذلك ان ميلتون شارك الكثيرين من شعراء النهضة ـ خاصة سبنسر ـ في القدرة على استخدام الأساطير الكلاسيكية بطريقة جادة في اطار من الشعر الديني. ولاشك ان احساس ميلتون بالكرامة وايمانه بالجنس البشري بصورة عامة منعه من تصوير الكائنات البشرية كديدان أو حتى شرذمة من المخطئين خلقوا من أجل ان يخطئوا.

كتب ميلتون بكتابه الكثير من الأعمال الدينية ومن أشهرها «الأعمال الالهية والأيام» والتي تعطي نبذة عن خلق العالم ومسيرة الانسان داخل هذا العالم، وكذلك يتحدث ايضا عن سقوط الانسان بسبب آثامه المتكررة.

ويختلف الصراع الداخلي في أعمال ميلتون عن ذلك الموجود في أعمال الشعراء الميتافيزيقيين والآخرين، حيث يرى ميلتون ان الصراع ينشأ نتيجة للصدام بين انسان صالح وعالم ظالم وليس نتيجة لأخطاء وذنوب هذا الانسان.

كذلك يتميز ايضا بشغفه الزائد بالشعر الرعوي الذي ينبع من ايهامه بالطبيعة من حوله وجمالها الفتان، وكانت المرحلة الأولى من كتابته في هذا المجال عن وصف تقليدي منظم ولكن ما لبث ان كون فكرة جديدة عن الطبيعة مؤداها انها رمز للانسجام الكامل مع السماء ويرى بعض النقاد ان السطر الافتتاحي من الفردوس المستعاد يضع الفردوس المفقود في مصاف الشعر الرعوي حيث يرى في هذا السطر ان الفردوس المفقود ما هو الا قصيدة عن الحديقة السعيدة!

ربما كون هذا الوصف غريبا بعض الشيء ولكن لو تعمقنا في أحداث الفردوس المفقود نجد ان قدرا كبيرا منها يتناول حياة آدم وحواء وقد كان النمط الرعوي مرتبطا بالمراحل الأولى من تطور ميلتون كشاعر، نلاحظ ان كثيراً من الشعراء اتبعوا النهج نفسه، فعلى سبيل المثال نجد أن سپنسر بدأ قبل أن يكتب قصيدته الشهيرة «The Fair Queen».

في الفردوس المفقود يوضح ميلتون كيفية فقدان انسان للجنة وذلك بسبب طاعته، ثم بعد ذلك يعرض الأسباب التي أدت لسقوط الانسان حيث يروي قصة آدم وحواء مع الشيطان وكيف استطاع الشيطان أن ينجح في اغوائهما بشتى الطرق من أجل معصية الله، وذلك عن طريق تحريضهما على الأكل من الشجرة التي تعرف بشجرة المعرفة، أما في قصيدته «ليسيداس» فكان ميلتون يرثي الملك إدوارد الذي تحطمت سفينته ومات غرقا في البحر الايرلندي وكان عمره لا يتعدى الخامسة والعشرين.

ويتناول ميلتون هذه الفكرة بطريقة فيها نوع من الجدة والحداثة، حيث يحاول الشاعر ان يصنع إكليلاً من الزهور لصديقه المتوفى ولكن عندما يذهب لاحضار الزهور التي يصنع منها هذا الاكليل نجد ان الزهور لم تنضج بعد وهنا يحاول ان يوجد نوعا من العلاقة بين الزهور غير الناضجة وبين صديقه الذي مات في ريعان شبابه، كما لو كان كلاهما قد قطف قبل أوانه. هذا المعنى عبّر عنه أمل دنقل اثناء مرضه الذي مات فيه في قصيدته عن باقة الزهور.

أما في "عذاب شمشون" فهو يحكي قصة شمشون الذي وقع في الأسر وتم ايداعه سجن غزة. وبعد ذلك يرد المحاولات المتكررة من أصدقائه وأبيه (مانيو) لاخراجه من السجن، واثناء فترة سجنه يأمره الحاكم ان يستعرض قوته أمام الشعب في أحد الاحتفالات ولكنه يتمنع في البداية، ثم لا يلبث ان يوافق على ذلك وتستمر القصة على هذا المنوال الى ان تنتهي بموت شمشون في مشهد تراجيدي مؤثر.

كذلك هناك الكثير من قصائد الحب المؤثرة في كتابات ميلتون ومنها على سبيل المثال قصيدته «كوموس» التي تحكي قصة حب مثيرة بعيداً عن الاثارة الجنسية التي كانت تتصف بها كتابات ذلك العصر.

المصدر : مجلة المعرفة



[,k ldgj,k [.x 4





رد مع اقتباس
قديم 12-24-2014   #2


الصورة الرمزية وردة ليلكية
وردة ليلكية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1607
 تاريخ التسجيل :  Sep 2014
 أخر زيارة : 02-09-2015 (01:10 AM)
 المشاركات : 4,589 [ + ]
 التقييم :  127
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
..اذكروني بالخير لو غبت في يوم من الايام...
لوني المفضل : Crimson
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 0
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 0
افتراضي



شكرا جزيلا جمال لتقديمك
هالنبذة عن حياة الشاعر جون ميلتون
تحياتي إلك.


 

رد مع اقتباس
قديم 01-05-2015   #3


الصورة الرمزية رفيقة ٱلقمر
رفيقة ٱلقمر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3556
 تاريخ التسجيل :  Jun 2014
 أخر زيارة : 01-30-2017 (07:14 PM)
 المشاركات : 35,405 [ + ]
 التقييم :  11917
 الجنس ~
Female
 SMS ~
لا تقل بالامس كنا
وغدا نكون
فالامس ولى
وغدا قد لا يكون
لوني المفضل : Brown
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 5
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 1
افتراضي



يسلموا دياتك سفير ~


 

رد مع اقتباس
قديم 01-05-2015   #4


الصورة الرمزية سفير القلعة
سفير القلعة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 793
 تاريخ التسجيل :  Jan 2014
 أخر زيارة : 02-03-2015 (08:10 PM)
 المشاركات : 12,936 [ + ]
 التقييم :  1003
لوني المفضل : Cadetblue
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 0
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 0
افتراضي



وردة ونبض \


اشكركما على التواجد هنا

تحياتي لكما


 

رد مع اقتباس
قديم 01-24-2015   #5


الصورة الرمزية ملكة الحرف
ملكة الحرف غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2067
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-14-2016 (11:21 PM)
 المشاركات : 58,113 [ + ]
 التقييم :  513
 الدولهـ
Palestine
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Darkorchid
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 0
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 0
افتراضي



رَبِيْ يَعْطِيْكَـ العَآفِيَهِ عَلِىَ جَمَآلِ مَآ طَرِحْتْ
لَك كَلِ آلوَرِدُوَأَكالِيلِ النَرجسِ


 

رد مع اقتباس
قديم 01-27-2015   #6


الصورة الرمزية سفير القلعة
سفير القلعة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 793
 تاريخ التسجيل :  Jan 2014
 أخر زيارة : 02-03-2015 (08:10 PM)
 المشاركات : 12,936 [ + ]
 التقييم :  1003
لوني المفضل : Cadetblue
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 0
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 0
افتراضي



ملكة الحرف \

الله يعافيكي يا رب

شكرا لك على التواجد

تحياتي


 

رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جون ميلتون جزء 1 سفير القلعة حـانة الآدباء والفـلاسفة والمفكريـن 11 02-01-2015 04:55 AM
جون ميلتون جزء2 سفير القلعة حـانة الآدباء والفـلاسفة والمفكريـن 6 01-27-2015 05:23 PM
جون ميلتون جزء 3 سفير القلعة حـانة الآدباء والفـلاسفة والمفكريـن 8 01-27-2015 05:19 PM


الساعة الآن 03:42 PM


فن بيتك متجر فن بيتك الصعب للاتصالات سبيكترا

Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.